المحامي خالد خليل القطان
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.
»ما جادلت عالما إلا غلبته، وما جادلني جاهلٌ إلا غلبني«.
تذكرت هذه المقولة الشهيرة، إثر تعرضي لموقف حدث في مطارنا الدولي، وشعرت بأنها تنطبق عليه تماما. فقد كنت واقفا في ذلك الطابور الذي ينتهي الى موظف الكاونتر، لإجراء الحجز وشحن الأمتعة استعدادا لركوب الطائرة، وكان الزحام شديدا، ولكن ما خفف من وطأته ان الجميع حرصوا على الالتزام بترتيبهم في الطابور الذي بدا منظما، قبل ان يأتي شخص من خارج الطابور، ليعكر صفو النظام الذي كان الركاب ملتزمين به، فقد اخترق هذا الشخص في لحظات طابور الواقفين، متخطيا الجميع، ومتخطيا قبلهم الذوق والقواعد المرعية، وكأن هؤلاء الواقفين بالعشرات لا يملأون عينيه، واتجه قاصدا الكاونتر، يريد ان يستبق الجميع. ولم أكن استثناء من حالة الغضب التي عمت الواقفين في الطابور الذين تململوا جميعا، وراحوا يطالعون هذا »الدخيل« بين متعجب ومستنكر، فذهبت اليه عامدا الى مناقشته:
أنا: بكل احترام: يعطيك العافية أخوي!
هو: بكل برود: نعم؟
أنا: بأي حق تتخطى هؤلاء جميعا، بتصرفك هذا الذي يخلو من الذوق؟
هو محتفظا ببروده: أنا مستعجل جدا، وأريد أن انتهي من إجراءاتي بسرعة.
أنا: محاولا كتم غضبي المتزايد: يا سيدي، نحن جميعا سنركب طائرة واحدة، فهل أنت بتصرفك هذا ستصل قبلنا؟
هو: مستنكرا ردي: يا أخي، لماذا اللضب؟ إن الفارق ثوان، وستأخذ دورك، ولا داعي للمهاوشة!
الحق انني حين وصل النقاش الى هذا الحائط السميك، شعرت بأنني كنت أخوض حوارا عبثيا، فقد كان واضحا ان هذا الشخص يتحدث لغة مختلفة وان اتفقت مع لغتي في حروفها وكلماتها، فكظمت غيظي، وتبادلت النظرات مع بقية الواقفين حولنا، الذين أذهلتهم اللامبالاة التي تفوق فيها هذا الراكب المتطفل، ولم أجد الا أن أعود الى مكاني في الطابور، وأنا أتأرجح بين الغيظ والدهشة، وأجد عزائي في المقولة المشهورة: »إلا الحماقة أعيت من يداويها«.
فمثل هذا المتمرد، الذي ضرب عرض الحائط بالقواعد والقوانين، ومصالح الآخرين، بل حتى لم يكترث للعادات والتقاليد، ولم يقم وزنا للذوق، مثله كيف يتعامل مع مجتمعه وهو يبتعد عشرات الكيلومترات عن السلوك القويم في مسألة بسيطة وتلقائية، كاحترام الطابور، وحق الآخرين في الاستفادة من ترتيبهم حسب الأسبقية؟
ووجدت نفسي استسلم لشريط من الصور التي أخذت تتوالى امام عيني لكثير من الأشخاص الذين يشبهون ذلك الدخيل المتمرد على الذوق العام، والذين نراهم كل يوم في الأسواق والجمعيات والمجمعات، وحتى في الطرقات، فهؤلاء لا يكفون عن ازعاج الآخرين، ومضايقتهم والاعتداء على خصوصياتهم، فهم في المواقف يحتلون الأماكن المخصصة للمعاقين، لكي يجنبوا أنفسهم المشي بضع خطوات اضافية، وهم في التجمعات يضايقون العائلات، ويناكفون خلق الله، وفي الطرقات يعرضون أنفسهم والآخرين للخطر، وربما للموت، لمجرد الاستعراض، أو للظهور »المرضي« بمظهر المتحدي للقانون والذوق العام، وهم لا يعرفون - وربما يتجاهلون - أنهم يعطون بذلك صورة مشوهة لعائلاتهم، ويؤذون مجتمعهم، ويسيئون لمعنى الأخلاق.
فليت هؤلاء يفهمون انهم حين ينتهكون التقاليد أو يخرقون القوانين، انما هم ظالمون لأنفسهم قبل ان يظلموا الآخرين، لأنهم يجب ان يدركوا أنهم بكسرهم للقانون يفتحون نافذة للآخرين ليكسروه ضدهم، والخاسر الوحيد حينئذ مجتمعنا، وهيبة القانون التي لا يرتقي المجتمع الا اذا جعلنا منها تاجا على رؤوسنا، وسياجا آمنا يحمينا جميعا.
كلمة أخيرة
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغرّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سرّه زمن ساءته أزمان